دعم الموسوعة:
Menu

مشاعر عابرة للحدود والأدب التركي مثالها

 

ما يميز المشاعر والأحاسيس أنها عابرة للحدود اللغوية والقومية والدينية والمذهبية، لأن الحدود في واقعها من صنع الإنسان جاءت كمرحلة متأخرة عن ذات الإنسان وكيونيته وفطرته، فهي موضوعة غير مقدرة ومجعولة غير متجذرة، تأتَّت مع مرور الزمن وتوطنت في النفوس ألفتها وتآلفت معها دون أن تدرك مخاطرها السلبية، فالإنسان هو الذي يصنع الحدود ويصطنعها، وتختلف الحدود من دائرة لأخرى ويستطيل قطر الدائرة الواحدة وتتعدد، حتى لتحل الحدود وبالاً على البيت الواحد، فلا يعد التفاهم قائماً وحرمة الدار تصبح عرضة لأنانية الأولاد أو سطوة الآباء غير المبررة، وتفقد الحرمة قدرة المسك بتلابيب الدار وأهله ولا أهل الدار يعترفون بحرمة، فتضرب الحدود الفاصلة بأطنابها بين النفوس.

فالإنسان السوي يحزن لحزن مواطنه ويفرح لفرحه، والإنسان السوي يتعاطف مع البعيد عندما تحل عليه نكبة عارضة أو طبيعية، يتعاطف معه شعوريا ونفسيا وماديا، والإنسان السوي يفرح لفرح الآخر القريب والبعيد، وهذه الخصال والسجايا أصيلة في ذات الإنسان الذي خلقه الله في أحسن تقويم مظهراً وذاتاً، فلا حدود بين المشاعر ولا سدود تصد حركة الأحاسيس ولا ربايا تمنع رياح العواطف، هكذا كان الإنسان الأول وهكذا هو وهكذا سيظل لا تبديل لفطرة الله التي فطر الناس عليها.

ولم أجد حادثة أو واقعة أخذت صداها ومداها وتتسع بأثرها لتلف الكرة الأرضية، مثلما هي واقعة الطف بكربلاء عام 61 للهجرة، فما من أمة طرق سمعها مأساة كربلاء واستشهاد الإمام الحسين(ع) وأهل بيته وأصحابه إلا وفتحت باب مشاعرها تستحضر القادم من غور الزمان وبعد المكان، تستجليه بصراً وبصيرة، وتستهويه عِبرة وعَبرة.

ولأن الشعراء خير من ينضد عقد المشاعر، فإن الإمام الحسين(ع) تنقل بين أبياتهم وتوقف عند قوافيهم الضاربة بريشة الأحاسيس على أوتار عود الناس ونياط قلوبهم، لا حدود ولا سدود رغم ترددات الأمواج الأموية الطويلة والقصيرة والمتوسطة المدى العابثة بالتاريخ وحوادثه، فما من لغة حية او محلية إلا وللحسين(ع) ذكر في صدور أبيات شعرائها وأعجازها، وهذا ما استطاعت دائرة المعارف الحسينية في كشفه من خلال الجهود المضنية التي يبذلها مؤلفها المحقق آية الله الشيخ محمد صادق الكرباسي في رصد المنثور والمنظوم ذات العلاقة بالنهضة الحسينية، ومن لآلئ الموسوعة الحسينية، هو صدور الجزء الأول من (ديوان الشعر التركي) في نهاية العام 2015م (1436هـ) عن المركز الحسيني للدراسات بلندن في 574 صفحة من القطع الوزيري، ليأخذ موقعه من المكتبة الحسينية الى جانب ديوان الشعر العربي والأردوي والفارسي والانكليزي والپشتوي وغيرها، في إطار (الحسين في الشعر الشرقي) من دائرة المعارف الحسينية التي يعكف الدكتور الكرباسي على تأليفها تحقيقاً وتمحيصاً منذ عام 1987م وحتى مطلع العام 2016م حيث بلغ عدد الأجزاء المطبوعة مائة وواحد (101) من نحو 900 مجلد.

العربية حاضرة

وكما لا يمكن الفصل بين القرآن الكريم واللغة العربية، وتأثير الكتاب المقدس على بقاء اللغة وصقلها وديموتها، فلا يمكن الفصل بين اللغة والعربية ولغات الشعوب الأخرى التي لامسها الإسلام واحتك بها من قريب أو بعيد في التاريخين الأقصى والأدنى، فما من لغة قريبة من الدائرة الإسلامية إلا وللعربية بصمتها في تأسيسها كاللغة الأردوية أو تأثيرها كاللغة التركية بشقيها الآذري والاستانبولي.

ورغم أن الأقوال مختلفة حول نشأة اللغة التركية وآدابها، بين من أرجعها الى أربعة آلاف سنة قبل الميلاد، وبعضهم يرجعه الى ما قبل الإسلام بفترة، لكن المحقق الكرباسي يوجه بوصلته نحو كعبة القائلين: (إن الأدب التركي أخذ مدة طويلة حتى برز تحريرياً، وكان ما بين القرن السادس الميلادي وحتى القرن الحادي عشر الميلادي يتداول عبر الحوار، وقد عبّر عنه القائل بـ "الأدب الشفوي" حيث يذكر بأنه تم اكتشاف نُصب تذكارية لقبائل الگوكتورك "Gok Turk" علیها بعض الكتابات الأدبية، وفسّرها الناقل بالشعر، وذكر أن الفترة الحقيقية لبروز الشعر كان حين دخل الأتراك في الإسلام).

ولشدة تأثير العربية على آداب الشعوب الشرقية ومنها التركية، فإن مقارنتها بين ما قبل الإسلام وما بعده تظهر هذه الحقيقة للعيان، وفي بعض الأحيان من غير جهد لغوي أو معرفي، فعلى سبيل المثال قول الشاعر من العهد الجاهلي:

ياروكْ تنگريلَرْ يارْليكازونْ ... ياواشيم بيرْلَهْ

فلا يمكن اكتشاف تأثير العربية عليه، على أن البيت ورد بالأبجدية الانكليزية وليست العربية كما كانت عليه اللغة التركية حتى عام 1923م عندما حرّم أتاتورك الأبجدية العربية، ويبدو أن النسخة الأصلية ضاعت مع التحويل، ولكن الترجمة الحرفية الى الأبجدية العربية تظهر الكلمات هكذا، وترجمة البيت باللغة العربية كما جاء في ديوان الشعر التركي للكرباسي هو التالي:

فليكُنْ أمرُ إلهنا النورانيْ ... ناعمَ الطبعِ شريف المعانيْ

ولكن في القرن العاشر الهجري ينظم الشاعر محمد بن سليمان الفضولي المتوفى عام 963هـ، فينشد من قصيدة بعنوان راه نجات (طريق النجاة):

مرحبا أي نور رُويوندَنْ مُنوَّر كائناتْ ... جوهرِ ذات شريفون جامعِ حُسنِ صفاتْ

ورغم أن البيت هو ترجمة حرفية لنص بالأبجدية الانكليزية كما ورد في المصدر وغاب الأصل بسبب السياسة الأتاتوركية، لكن العربية واضحة عليه وضوح الشمس، وترجمته العربية كما أورده الكرباسي هو:

يا مرحباً بنورِ بصرِهِ المُصبحِ الذي صارَ يُنير الكائنات

وجوهرُ ذاتهِ الشريفِ غدا جامعاً لحُسنِ الصفاتْ

وبالطبع فإن العربية التي أثّرت في اللغة الفارسية، انتقل تأثير الثانية الى اللغة التركية بخاصة وأن الأقوام التركية الآذرية كانت ولازالت على احتكاك مباشر بالأقوام الفارسية، وقد انعكس تأثير العربية والفارسية على التركية في حديث الشارع وعند الأدباء والشعراء، ولهذا فلا غرو أن تقرأ بيتاً من الشعر التركي لتجد كلمات اللغات الثلاث تشكل الصدر والعجز، ومن ذلك بيت الرمل المثمن المخبون المحذوف للشاعر علي بن محمد النسيمي المتوفى سنة 821هـ حيث يقول:

فصلِّ على مرشدنا شاه ولايتْ ... كَمتَرْ قُولويومْ مَنْ عَلينين أو شاه كَرَمْدير

حسنْ باشيمينْ تاجي، حسينْ گؤزْومْدَهْ نَمْديرْ ... إمام زين العباد، باقر، مِهْرِ حَرَمْدير

والترجمة التي أوردها الكرباسي جاءت على النحو التالي:

اللهم صلِّ على مرشدنا سلطان الولاية التي ضاءتْ

مَلِكُ أهلِ الجود فلعليٍّ عبدٌ أنا وهو المديرْ

تاجُ هامي الحسنُ والحسينُ بماء عيني جديرْ

زينُ العبادِ إمامي وذو المعاجزِ باقرٌ والغدير

حيث يُلاحظ في البيت كلمات عربية وفارسية الى جانب التركية مثل (فصلِّ على مرشدنا) للعربية و(شاه ولايت) للفارسية.

ويعتقد المحقق الكرباسي أن اللغة الفارسية كانت هي لغة الأدب عند الأتراك: (ومن هنا فإن أكثر الذين نظموا الشعر من الأتراك نظموا بالشعر الفارسي، ومن المعلوم أن الشعر الفارسي العمودي أُخذ من العرب، بينما أخذ العرب من الفرس ما يسمى بالشعر الحر، وكان التبادل الثقافي والأدبي على قدم وساق بين هذه الحضارات الشرقية).

نماذج كربلائية

يُلاحظ في الجزء الأول من ديوان الشعر التركي الخاص بالنهضة الحسينية الذي ضم 202 مقطوعة في 547 بيتاً لثمان شعراء، بدء انطلاقته من القرن السابع حتى العاشر الهجري، رغم أن واقعة كربلاء حصلت في القرن الأول الهجري، وأن مدنيَّة الأتراك ظهرت في القرن السادس الميلادي أي قبل ظهور الاسلام بقرن، وبعضهم يرجع ظهور الأدب التركي الى القرن الثامن الميلادي أي القرن الثاني الهجري أي بعد واقعة الطف، وكما يؤكد الكرباسي: (ظهر الأدب في ثلاث اتجاهات: الاتجاه الجغتائي، والاتجاه الآذري، والاتجاه الأناضولي، وأبرز ما كتب باللغة الجغتائية هي السيرة الذاتية التي وضعها بابر مؤسس الأسرة المغولية في الهند والتي تعرف باسم بابرنامة، أي "كتاب بار" المؤرخ قبل سنة 937هـ (1530م) وهو كتاب نثري غير منظوم، ومن أقدم من كتب في الأدب التركي الآذريه الصوفي عماد الدين النسيمي المتوفى حدود سنة 821هـ (1418م)، وأما في الأدب الأناضولي فأقدم من كتب فيه هو الشاعر الصوفي يونس أمره المتوفى سنة 721هـ (1321م)).

ولعلّ أكبر التأثير المتبادل بين الأدبين العربي والتركي والذي ساهم في ظهور الأدب الحسيني في جانبه النثري، هو الاحتلالات التركية للعراق وايران وأفغانستان وجانب من تركيا والشام في القرن السابع الهجري، واحتكاك الأتراك المباشر بالأدب العربي بعامة والحسيني بخاصة، وقد سبق الاحتلال التركي توغل المماليك الأتراك في الحكم العباسي منذ القرن الثالث الهجري، وظهور الأدب التركي كأدب منثور ومنظوم في القرن الخامس الهجري، أما بالنسبة للشعر الحسيني باللغة التركية فإن أقدم ما وصلنا هو في القرن السابع الهجري كما يؤكد البحاثة الكرباسي، والأسباب كثيرة، ولعل أهمها أن الأدباء الأتراك كانت الفارسية هي لغتهم نثراً وشعراً مثل الشاعر التركي الحكيم قطران العضيدي التبريزي المتوفى سنة 465ه، الذي نظم في الحسين(ع) باللغة الفارسية.

ولقد انعكس انحسار الأدب المنظوم باللغة التركية بوضوح على عدد من الشعراء الذين نظموا في الحسين(ع)، ولهذا ظهر في القرن السابع شاعرٌ واحد هو محمد بن ابراهيم الخراساني المتوفى سنة 670هـ، وفي القرن الثامن اقتصر على الشاعر يونس بن إسماعيل أمره المتوفى سنة 721هـ، وكذا الحال مع القرن التاسع الذي وصلنا بيت واحد للشاعر علي بن محمد النسيمي المتوفى سنة 821ه، كما توصل اليه الشيخ الكرباسي، ولكن النقلة النوعية حصلت في القرن العاشر حيث ازداد عدد الشعراء مع ارتفاع مؤشر المقطوعات الحسينية وأبياتها، وبلغ عدد الشعراء خمسة، وهم حسب التسلسل الزماني: السلطان اسماعيل بن حيدر الصفوي الخطائي المتوفى سنة 930هـ وله 17 مقطوعة من 57 بيتاً، محمد بن سليمان الفضولي المتوفى سنة 963هـ وله 141 مقطوعة في 394 بيتاً، حيدر السيواسي المتوفى سنة 998هـ وله 14 مقطوعة في 43 بيتاً، وهادي التبريزي المتوفى في القرن العاشر في 8 مقطوعات من 26 بيتاً، وخامسهم وآخرهم علي أصغر الذهني التبريزي المتوفى في القرن العاشر الهجري وله قصيدة واحدة تضم 45 بيتاً، وسنجد في الأجزاء التالية من ديوان الشعر التركي ارتفاعاً ملحوظاً من حيث عدد الشعراء والقصائد كلما اقتربنا من عصرنا الحالي.

وتعددت الأغراض الشعرية التي تناول فيها الشعراء الإمام الحسين(ع)، فبعضهم ذكره وهو صغير يلعب مع جده محمد(ص) وبعضهم ذكره كبيراً وهو يشارك حروب والده علي(ع)، وبعضهم ركّز على ذكر الحسين(ع) وما جرى في كربلاء عام 61، ولاشك أن عاشوراء هي ملهمة الشعراء الأمر الذي خلق وفرة كبيرة في الشعر وزيادة في أعداد الشعراء من كل حدب وصوب بعيداً عن المذهبية بل وحتى الدينية، حيث وجد الشعراء بمختلف مشاربهم في شهادة الحسين(ع) وأهل بيته وأصحابه وأسر عياله قمة التفجع الباعث على الإلهام في أبهى صورها، فهذا الشاعر يونس بن إسماعيل أمره يستحضر الوجع العاشورائي فينظم، ما ترجمته:

من وجع كربلاء سقوط المجاهدين شهداءَ فخارِ

وقُربانا فاطمةٍ هما في الأمَّة شُبَّر وشُبَيرِ

من كربلاء انثال النورُ من أسودِ شعرِهِ الأندى

والمضرَّجان بدمائهما هما شُبَّر وشُبَيرِ

فشبّر هو الإسم العبري للإمام الحسن(ع) الذي تقطع كبده دماً من السم وشُبير إشارة الى الامام الحسين(ع) الذي تضرّج بدمه في كربلاء، وكلاهما قُتلا بأيدٍ أموية.

وهذا الشاعر علي بن محمد النسيمي يقول في بيت ضمن قصيدة مقصورة:

خلِّق نفسك اللَّوامةَ واسألْ يقيناً تَنَلْ

وإنْ قصدتَّ الشهادةَ فاجعل إمامَك حسينَ كربلا

وهي دعوة من الشاعر لكل البشر في الإقتداء بسيرة سيد الشهداء(ع) الذي قدّم كل شيء من أجل المبدأ وصالح الإنسانية.

وهذا السلطان اسماعيل بن حيدر الصفوي الخطائي تتراءى أمام حدقتي الشعور معالم المدينة المقدسة فينظم من قصيدة رباعية وترجمتها:

فلنأت كربلا أرض الحُزنِ الأليمْ

حتى نُقيم مأتمَ القلبِ الكليمْ

ولنُرسلَ بكاءً دموعَ القلبِ السليمْ

يا وجعي يا حسين سلطاني حسينْ

وهذا الشاعر محمد بن سليمان الفضولي المدفون في شارع باب القبلة على بعد بضعة أمتار من الحرم الحسيني الشريف، ينظم ما ترجمته:

إن سألوني عن منزل مصائبي قلتُ: في نينوى بلاءُ مجمعيْ

لكان جوابَ الكونِ القصيرِ إنها كربلاء كربلا

ونينوى هي واحدة من أسماء مدينة كربلاء وهي الأراضي الممتدة شمال شرق مركز كربلاء من مصب نهر العلقمي الى جنوب سدة الهندية.

عمل عظيم وشخصية عظيمة

لاحظ المحقق الكرباسي وهو يتناول الأدب التركي المنظوم أموراً عدة، ربما أهمها:

أولا: إن اللغة التركية في العهد الاسلامي كانت تكتب بالأبجدية العربية حتى 29/9/1923م تاريخ مجيء مصطفى أتاتورك للحكم الذي أبدلها بأبجدية لاتينية.

ثانيا: إن المتحدثين باللغة التركية لا ينحصرون بتركيا الحالية، فهناك عشرات الملايين الأتراك في إيران وآذربايجان وتركمانستان وتركستان وداغستان وقيرغيزستان وأرمينيا وأوزبكستان والعراق، وغيرها يتحدثون بها.

ثالثا: إن الأتراك كأمَّة يرجعون بجذورهم الى النبي نوح (ع) عبر ابنه يافث المسمى ترك.

رابعا: اللغة التركية من فصائل اللغة الآلتائية التي ظهرت منها أسر لغوية تركية مختلفة متوزعة عبر الدول الناطقة باللغة التركية، وأشهرها: التركمانية، الجغتائية، الأويغورية، الآذرية، الأذربايجانية، القيرغيزية، التتارية، الأوزباكستانية، البشكيرية، والأسطنبولية.

خامسا: رسم الخط في اللهجات واللغات التركية يختلف من قوم تركي الى آخر ومن بلد الى آخر، وبعض التغيير ناتج من تحولات سياسية مثل اللغة الاسطنبولية التي كتب بالأبجدية اللاتينية، والتركية الآذربايجانية التي كتبت بالأبجدية الروسية.

ولكن القاسم المشترك لكل هذه اللغات بما يخص الأدب المنظوم، أن معظم الشعراء الترك كانوا يتحدثون باللغتين الفارسية والعربية أو بإحداها، وقد أحصى الشيخ الكرباسي 201 شاعراً تركيا حتى القرن العاشر الهجري، وأكثرهم نظم باللغتين الفارسية والعربية أو بإحداهما، وأحصى 21 منهم أي 10 في المائة منهم كان ينظم باللغة العربية منهم: أبو القاسم الخطامي التبريزي المتوفى في القرن الخامس الهجري، أبو زكريا الشيباني التبريزي المتوفى سنة 502هــ، الخواجه هام الدين التبريزي المتوفى في القرن السابع الهجري، زركوب الطاهري التبريزي المتوفى سنة 712هـ، ابن يحيى الشبستري المتوفى سنة 720هـ، شمس مغربي محمد شمس الدين التبريزي المتوفى سنة 808هـ، والشاعر الشهير محمد بن سليمان الفضولي من أعلام وشعراء القرن العاشر الهجري.

وبالقطع هناك شعراء ترك آخرون من بين القائمة نظموا باللغة العربية، ولكن لم يصلنا شعرهم العربي.

ولا يخفى حرص المؤلف الشديد على دعم ما يكتب ويحقق فيه بمجموعة كبيرة من الفهارس المفيدة، وامتاز الجزء الأول من ديوان الشعر التركي بفهرس خاص بمعجم لمفردات اللغة الآذرية والاستانبولية وما يقابلهما باللغة العربية والفارسية وترجمتها العربية ضم 2071 مفردة تضمنتها أبيات هذا الديوان فقط، وهي خدمة أدبية ومعرفيه يقدمها الكتاب لقرائه، فضلا عن تحديد بحور شعر الديوان مع ما ورد عليها من زحافات وعلل وذلك: (تسهيلا لمن يريد أن يقدم دراسته على ما ضمّنه واحتواه هذا الجزء وغيره من الأجزاء) وهي تسعة بحور: الهزج، الرمل، المجتث، المضارع، المتقارب، الرجز، المنسرح، الخفيف، والمقتضب، هذا إلى جانب تشكيل الأشعار بالحركات: (وما ذلك إلا لتسهيل الأمر على القارئ والباحث)، مع ترجمة النص التركي الى العربي ترجمة نثرية مسجّعة وذلك: (طبقاً لما وضعه الشاعر ليكون أكثر وقعاً في النفوس وعلى الآذان إن تُليت) ولكن: (لا تعد هذه الترجمة حرفية ولا هي مضمونية بل وسطيّة).

هذه العمل الأدبي الرزين المرتبط بالنهضة الحسينية جلب أنظار الصحفي هوانك جيونكرين (Hwang Gyeong-rin) وهو من مدينة غومسان غان (kŭmsan-gun) في مقاطعة تشنغتشونغ نامدو (Ch'ungch'ŏngnam-do) في كوريا الجنوبية، فأبدى إعجابه الشديد وذلك بعد أن: (اطلعت على دائرة المعارف الحسينية التي تحيط بمعارفها واحداً من أعظم الشخصيات تمجيداً عبر التاريخ، وهو الحسين سبط رسول الاسلام محمد. لقد تناهى الى علمي المشروع المعرفي الذي يتولاه العلامة الشهير الباحث المقيم في لندن وهو الشيخ محمد صادق الكرباسي الذي كتب وحرر أكثر من 900 مجلد عن الحسين القائد).

وهذا الإعجاب جعله يكتب مقدمة باللغة الكورية ملحقة في نهاية الديوان، قال فيها: (إنَّ هذا الديوان يكشف عمق الجهد اللامتناهي وغير القابل للتصديق للمؤلف الذي تناول التفاصيل الدقيقة لشخصية الحسين بن علي. إنه رجل عظيم يكتب عن شخصية عظيمة ليصبح مشروعه العلمي والمعرفي عظيما كما رأينا في هذه الموسوعة).

ويبدي المحقق الدكتور محمد صادق الكرباسي في ثنايا الديوان أسفه لما حصل من تحريف لأبجدية اللغة التركية ورسم كتابتها، وهي حقيقة شاطره الرأي كل صاحب رأي معرفي، وفي الحقيقة فإن السياسة الأتاتوركية حاولت في أحد أسباب محاربتها للعربية الإقتراب من أوروبا والتماهي معها مصلحة المجتمع التركي كما كان هو الاعتقاد السائد آنذاك، لكن الغرب وبعد مضي قرن من الزمان ينظر الى تركيا بوصفها بلداً شرقياً مسلماً يعود بجذوره الى السلطنة العثمانية التي احتلت البلدان الاوروبية، ولا يريد الإعتراف بتركيا أو إدخالها في منظومة الوحدة الأوروبية رغم أنها جزء من منظومة حلف الناتو (الأطلسي) والحربة التي تلوح بها الولايات المتحدة في وجوه الدول العربية الرافضة لسياستها في المنطقة.

 

قراءة كتاب بقلم: د. نضير الخزرجي